اهم الاخبار

الفسيفساء ... جمال لا ينتهى

يعتبر فن الخزف المصنوع باستخدام الفسيفساء من أقدم الفنون التى عرفتها البشرية ويزخر العالم بالعديد من النماذج التى أبدعها الفنانون عبر العصور ، وقد كان للفنان العربى والمسلم تأثير قوى على تطور فن لفسيسفاء . وقد عاد فن الفسيفساء اليوم للازدهار، حيث توجد مدارس كثيرة تعلم أساليبه وتقنياته، وتأخذ فيه الرسوم ذات المواضيع الحديثة حيزًا كبيرًا. وباتت لوحات الفسيفساء الحديثة تستخدم في تزيين جدران وأرضيات البيوت والمباني العامة.


و الفسيفساء هو فن وحرفة صناعة المكعبات الصغيرة واستعمالها في زخرفة وتزيين الفراغات الأرضية والجدارية عن طريق تثبيتها فوق الأسطح الناعمة وتشكيل التصاميم المتنوعة ذات الألوان المختلفة، ويمكن استخدام مواد متنوعة مثل الحجارة والمعادن والزجاج والأصداف وغيرها. وفي العادة يتم توزيع الحبيبات الملونة المصنوعة من تلك المواد بشكل فني ليعبر عن قيم دينية وحضارية وفنية بأسلوب فني مؤثر. والتي يقصد بها آلهة الفنون والجمال والإلهام الفني muses مصطلح الفسيفساء يعود في أصوله إلى الكلمة اليونانية والتي تعني الفسيفساء. وقد وصلت mosaic التسعة اللواتي رافقن الإله أبوللو واللواتي ارتبط اسمهن لفظيا بين الكلمة وقد عرف هذا الفن لدى اليونان باسم fass والتي عربت لاحقا لتصبح psephos هذه الكلمة إلى اللغة العربية على اسم وهي الأشكال المكعبة والمنتظمة والتي dices أو cubes وهذه الكلمة لاتينية الأصل وتعني مكعب tessera technique إذا كانت المكعبات منتظمة، opus tesselatum قطعت من الحجارة أو الزجاج كما وأطلق على الفسيفساء أيضا مصطلح إذا كانت المكعبات غير منتظمة. opus vermiculatum وأطلق عليها اسم وقد ظهرت الفسيفساء منذ عهد مبكر في بلاد العراق منذ 3000 سنة قبل الميلاد حيث كانت الفسيفساء تصنع من أقلام أو مسامير من الآجر، وكانت هذه الأقلام أو المسامير ذات رؤوس دائرية ملونة تغرس في جدران الطوب مؤلفة أشكالا زخرفيه وفنية، وقد قام الفرس على اقتباس هذا الفن ودليل ذلك ما وجد في قصر دارا الفارسي، كما استخدم الطابوق المزجج في بابل، وقد وصلت هذه الصناعة الفنية إلى درجة عالية من الجودة والإتقان في نهاية القرن الثالث ق.م في أنحاء العالم الهلنستي. أما أقدم فسيفساء وجدت في اليونان فقد كانت في مدينة أولينثوس وذلك في القرنين الخامس والرابع ق.م كما وجدت أمثلة في أوليمبيا وسوريا  ومقدونيا، بعد ذلك ظهرت الفسيفساء الرومانية التي انتشرت في جميع أرجاء الإمبراطورية الرومانية الغربية وإلى سوريا وحوض البحر الأبيض المتوسط وشمال إفريقيا وفرنسا وذلك ما بين القرنين الأول والثالث الميلادي.

أما أقدم نماذج على الفسيفساء الجدارية والتي تعود إلى الفترة الرومانية فقد ظهرت في القرن الأول الميلادي في مدينة بومباي في أساسات إحدى الحدائق.وبعد ذلك شاع استعمال الفسيفساء خصوصا في الدولة البيزنطية حيث تتواجد أمثلة عديدة وكثيرة على ذلك في منطقة بلاد الشام وروما وغيرها من الأقاليم التابعة لنفوذ الدولة البيزنطية. واذا ما انتقلنا الى العصور الاسلامية أزدهر الفن بصفة عامة وكان للرسوم و النقوش الجدارية المصنوعة من الفسيفساء نصيب كبير في هذا الازدهار، فتنوعت طرقة واختلفت اشكاله الفنية، ومواضيعه الزخرفية، و ذلك من خلال توظيفهاو ملاءمتها في العمائر المختلفة كالقصور و المساجد و الاضرحة و المدارس و الحمامات.

تزيين المساجد و القصور

ان أجمل ما وصل الينا من الفسيفساء في العصر الاسلامي هي فسيفساء قبة الصخرة و المسجد الاموي في دمشق و تتألف هذه الفسيفساء من مكعبات صغيرة مختلفة الحجم من الزجاج الملون بالاخضر و الازرق و البنفسجي و الابيض و الأسود و غير الملون و الشفاف و غير الشفاف و من مكعبات من الحجر الابيض و الوردي و من الصدف، مثبتة بالاسمنت بشكل افقي اما الموضوعات الزخرفية التي تشكلها فتتالف من فروع نباتية و حلزونية تخرج من انية و اوراق و باقات زهور و اشجار نخيل و اشجار اخرى و اشكال فاكهة منها العنب و الرمان بشكل خاص و رسوم بعض الحلي.. و تكثر في الجامع الاموي رسوم العمائر و الاعمدة والاقواس، وبالاضافة الى ذلك فهناك بعض النماذج الاخرى التي تعود الى العصر الاموي و هي فسيفساء القصر الذي ينسب الى الخليفة هشام بن عبد الملك.

لقد وصل فن الفسيفساء في العصر العباسي اوج ازدهاره مقترنا بالافراط الذي حصل في المباني و العمائر في هذه الفترة الذهبية من الحكم العربي، فاستخدموها في تزيين و تجميل العمائر الدينية و المدنية مثل الجوامع والقصور و الحمامات، فعلى الصعيد التاريخي تشير الروايات الى ان صناعا من بغداد ساهموا في تزيين جدران الكعبة وردهاتها. ويذكر المقدسي ان الخليفة المهدي قام باصلاح الكعبة فغطيت جدرانها الفسيفساء بواسطة فنانين من العراق و الشام، و يذكر الغزولي في كتابة مطاع البدوران بغداد كان فيها حمام في دار احد الامراء خلوات او اجزاء مسقلة مصورة بفصوص حمر و خضر و مذهبة و كلها من البلور المصبوغ بعضه اصفر و بعضه احمر فالاخضر كان من الحجارة و اما المذهب فهو زجاج ملبس بالذهب، و من اهم ما وصلنا من نماذج الفسيفساء في العصر العباسي ما عثر عليه المنقبون في حفريات مدينة سامراء و ذلك في اطلال قصور الخلافة و المسجد الجامع و بعض البيوت الكبيرة، التي كانت تزين جدرانها و ارضياتها، و لكن الذي يؤسف له ان هذه النماذج التي عثر عليها ليست في حالة جيدة، عدا قطعة واحدة منها كانت على درجة كبيرة من الحفظ، وجدت في حمام القصر الكبير. و ارضيه هذه القطعة ذهبية اللون و تقوم فوقها رسوم لفروع نباتية بلون اخضر مختلف الدرجات فضلا عن رسوم الازهار و اوراق الشجر المختلفة، و قد شاع في العصر العباسي اسلوب اخر جديد في صناعة الفسيفساء، و هو الفسيفساء الخزفية التي تتكون من عدد من القطع الصغيرة المختلفة الشكل و الحجم من الخزف المدهون بالالوان التي تجمع مع بعضها بملاط يصب عليها من الخلف ليملأ التجاويف فتزين به القباب والمآذن و المحاريب وجدران المساجد و واجهاتها وانتشر استعمال هذا النوع في عدد كبير من المدن الخاضعة للدولة العباسية وقد وصلتنا نماذج، منها محراب معروض في المتحف البريطاني في لندن تزينه الفسيفساء الخزفية الملونة.

إلی الأندلس والمغرب

ومن الجدير بالذكر أن صناعة الفسيفساء قد انتقلت الى بلاد الاندلس خلال الحكم العربي لها بعد اقامة الخلافة الاموية الثانية هناك و وصول اعداد كبيرة من العمال العرب اليها فاستخدموا الفسيفساء في تزيين عدد من الابنية التي انشأها الحكام الامويين، فزينوا بها جدران القصور والمساجد والحمامات ولازالت معالم الكثير منها باقية الى الوقت الحاضر، في المدن الاندلسية كقرطبة واشبيلية و الحمراء، ووصلت صناعة الفسيفساء  الى بلاد المغرب، عن طريق الاندلس و خاصة بعد سقوط الدولة العربية فيها وانسحاب اعداد كبيرة من الجاليات العربية الى المغرب وكان بينهم عدد من الحرفيين الذين حذقوا تلك الصناعة، فاشتغلوا بها في المغرب لاسيما وان المغرب شهدت في ذلك الوقت ازدهارا كبيرا، و تعلم المغاربة منهم استخدام فن الفسيفساء واستحسنوه كثيرا في ابنيتهم حتى اصبح يشكل اهمية كبيرة في ابنيتهم الخاصة والعامة. و من جميل الصدف انهم حافظوا على هذه الصناعة عبر الاجيال الطولية وإلى الوقت الحاضر حتى اصبحت الفسيفساء طابعا يميز العمارة المغربية الحديثة، وذلك من خلال مبالغتهم في استخدامها في تزيين المساجد و القصور و الابنية وًالدوائر الحكومية والدور السكنية.

 

 

 

 

ICS Magazine is a publication by Climax Creation Advertising

النشرة البريدية

تواصل معنا